الحمد لله الذي جمع قلوب أهل حبه على طاعته .. وأورثهم من الخيرات ما نالوا به كرامته ..
أحمده سبحانه فهو الذي جعل محبتة إلى جنته سبيلاً .. وأبغض العصاة وأورثهم حزناً طويلاً .. وسبحان من نوع المحبة بين محبة الرحمن .. ومحبة الأوثان .. ومحبة النسوان والصبيان .. ومحبة الألحان .. ومحبة القرآن .. والصلاة والسلام ..
أما بعد أيها الأخوة والأخوات : فهذه جلسة مع العاشقين والعاشقات .. من الشباب والفتيات .. لا لأزجرهم وأخوفهم .. وإنما لأعدهم وأبشرهم ..
حديث إلى أولئك الشباب .. الذين أشغلوا نهارهم بملاحقة الفتيات .. في الأسواق وعند أبواب المدارس والكليات .. وأشغلوا ليلهم بالمحادثات الهاتفية .. والأسرار العاطفية .. وحديث إلى أولئك الفتيات .. اللاتي فتنت عيونهن بالنظرات .. وغرّتهن الهمسات .. فامتلأت حقائبهن بالرسائل الرقيقة .. وصور العشيق والعشيقة .. فلماذا أتحدث مع هؤلاء ؟!..
أتحدث معهم .. لأن كثيراً من العاشقين والعاشقات وقعوا في شراك العشق فجأة .. بسبب نظرة عابرة .. أو مكالمة طائشة .. فأردت أحدهم قتيلاً .. وأورثته حزناً طويلاً .. ولم يجد من يشكو إليه ..
نعم .. أتحدث معهم .. لأن التساهل بالعشق .. والتمادي فيه .. يجر إلى الفواحش والآثام .. ومواقعة الحرام .. ويشغل القلوب عن علام الغيوب .. وكم أكبت فتنة العشق رؤوسا في الجحيم .. وأذاقتهم العذاب الأليم .. كم أزالت من نعمة .. وأحلت من نقمة .. فلو سألت النعمَ .. ما الذي أزالك ؟ والهمومَ والأحزان .. ما الذي جلبك ؟
والعافيةَ .. ما الذي أبعدك ؟ والسترَ .. ما الذي كشفك ؟ والوجه .. ما الذي أذهب نورك وكسفك ؟
لأجابتك بلسان الحال : هذا بجناية العشق على أصحابه .. لو كانوا يعقلون .. نعم .. أتحدث عن العشق .. لأن انتشار العلاقات المحرمة .. لا يضر الفاعلين فقط .. فقد جرت سنة الله أنه عند ظهور الزنا يشتد غضب الجبار ..
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن الله بإهلاكها ..
وفي الحديث الحسن الذي عند ابن ماجة وغيره ، قال صل الله عليه وسلم : ( لم تظهر الفاحشة في قوم قط ، حتى يعلنوا بها ، إلا فشا فيهم الطاعون ، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ) ..
وكم من فتاة ضيعت شبابها .. وفضحت أهلها .. أو قتلت نفسها بسبب ما تسميه العشق .. وكم من فتى أشغل أيامه وساعاته .. وأضاع أنفاس حياته .. فيما يسميه العشق ..
وما كيس في الناس يحمد رأيه *** فيوجد إلا وهو في الحب أحمق
وما أحد ما ذاق بؤس عشية *** فيعشق إلا ذاقها حين يعشق
ونحن في زمن كثرت فيه المغريات .. وتنوعت الشهوات .. وترك المفسدون في قنواتهم ومجلاتهم .. مخاطبةَ العقول والأفهام .. ولجئوا إلى مخاطبة الغرائز وإثارة الحرام .. فأصبح الشباب والفتيات حيارى .. بين مجلات تغري .. وشهوات تسري .. وقنوات تُعرّي .. وأفلام تزين وتجرّي .. فاشتغل الشباب والفتيات بعضُهم ببعض .. واغتروا بالصحة والفراغ .. { كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى } ..
وإلا فلو كان أحدهم فقيراً معدماً .. أو مريضاً مقعداً .. لما وجد في عقله مكاناً لفلان أو فلانة .
ومن طريف ما يستشهد به على أن الترفه والتنعم الزائد .. مع عدم الدين .. يوقع في مثل هذه التوافه ..
أن رجلاً كان يسكن في إحدى الدول المجاورة التي يظهر فيها السفور .. وكان هذا الرجل غنياً منعّماً .. فطلبت منه ابنته الجامعية أن يشتري لها سيارة خاصة .. فقال لها : السيارة مفتاح شر ّ.. وتزيد اختلاطك بالرجال .. وأخوك تحت يدك يذهب بك إلى ما تريدين ..
فأصرت الفتاة .. وبكت .. حتى اشترى لها السيارة .. وبدأت تذهب وتجيء كيفما شاءت .. فلما جاءت العطلة .. قالت لأبيها : أريد أن أقضي الإجازة في بريطانيا لدراسة اللغة الإنجليزية !!
فقال الأب المسكين : لا ضرورة لذلك ..
فأصرّت عليه وتباكت .. فاقترح أن تذهب العائلة كلها معها .. فغضبت .. وقالت : أنا واثقة في نفسي .. ولا يمكن أن أتعرض لمكروه .. فأبى عليها .. لكنها تعرف دواءه .. بكت .. وأقفلت على نفسها في غرفتها .. وأضربت عن الطعام والشراب .. حتى رق لها قلبه .. ودمعت عينه .. وقال : اخرجي من عزلتك وسوف تسافرين إلى بريطانيا .. ففرحت الفتاة .. وبدأت تجمع حقائبها ..
ورفع الأب سماعة الهاتف واتصل بقريب لهم .. يسكن في المملكة في مدينة تقع على طريق مكة المكرمة ..
اتصل به وقال له : يا فلان !! هل تذكر فلان ابن عمنا .. الذي يسكن في خيمة في البر ؟
قال صاحبه : نعم .. وهو لا يزال على حاله في البر .. يرعى الغنم .. وعنده إبل .. ويشتغل ببيع السمن .. والإقط .. فسأله صاحبنا : هل تزوّج ؟
قال : لا .. ومن يزوّجه .. وهو لا يقرّ له قرار .. يرحل بخيمته كل حين ..
فقال : حسناً .. أنا آتٍ إلى مكة بعد يومين .. وسوف أتغدى عندك .. وأريد أن أراه .. ثم ودعه وأقفل الهاتف ..
وجاء الأب إلى ابنته وقال : سوف نذهب للعمرة بالسيارة .. ثم تسافرين إلى بريطانيا بالطائرة عن طريق مطار جدة ..
فلما انطلقوا .. وانتصف بهم الطريق إلى مكة توجه الأب إلى مدينة صاحبه وقال لأهله : نرتاح قليلاً في بيت فلان .. ونتغدى .. ثم نكمل السفر ..
ونزلت النساء عند النساء .. ودخل هو عند الرجال .. ورأى صاحبه راعي الإبل والغنم .. فتحدث معه طويلاً .. ثم عرض عليه أن يزوجه ابنته !! فوافق فوراً .. ثم عُقد النكاح .. وخرج الأب ونقل حقائب البنت .. - العروس - .. من إلى سيارة زوجها .. ثم صاح بأهله ليخرجوا .. فخرجت زوجته بأطفالها ..
وخرجت البنت الرقيقة .. تنفض يديها من غبار هذا المنزل .. وتتأفف من ذبابه وحشراته .. فلما ركبت مع أبيها .. زفَّ إليها بشرى زواجها .. فظنت أنه يمزح .. لكنه بدا جاداً .. وأمرها بالنزول مع زوجها .. فأبت .. وبكت ..
فذهب الأب إلى الزوج وقال : زوجتك تستحي أن تأتي لتركب معك .. فتعال أنت وخذها .. فنزل الرجل فرحاً مستبشراً .. وفتح سيارة أبيها .. وحملها معه .. ومضى بالسيارة إلى خيمة السعادة .. وشق الصحراء .. وغاب بين كثبان الرمال ..
أما الأب فقد كان حازماً .. وتغلّب على بكاء الأم وتوسلاتها .. ورجع ببقية العائلة إلى بلده .. وبعد أسبوع .. اتصل الأب بصاحبه الذي في المدينة وسأله عن الأخبار .. فقال : هما بخير .. قد رأيتهما في السوق قبل يومين ..
ومضت الأيام والشهور .. والأب يتلقى الأخبار من صاحبه هاتفياً .. فلما مضت سنة .. اتصل به صاحبه وبشره بأنه أصبح جَداً .. وأن ابنته رزقت بغلام ..
وبعد شهور .. ذهبت العائلة لزيارة ابنتهم .. فلما أقبلوا على خيمتها فإذا بامرأة حامل وبجانبها طفل صغير. . فاقتربوا .. فإذا هي ابنتهم .. فرحبت .. وحيّت .. وصاحت بزوجها .. وجاء وأكرمهم ..
فتأملوا حال هذه الفتاة .. وكيف صار زواجها من هذا الأعرابي .. خيراً لها من بريطانيا ..
مع التنبيه إلى أن تزويج البنت بغير رضاها لا يجوز .. لكني أوردت القصة مستشهداً بها على عاقبة الترفه والفراغ .